الكلمة الختامية لسعادة الشيخ/ أحمد بن محمد بن جبر آل ثاني مساعد الوزير لشؤون التعاون الدولي - رئيس اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات
أصحاب الفخامة والمعالي، الضيوف الكرام، السيدات والسادة، شكراً لكم جميعاً على حضوركم ومشاركتكم في منتدى الدوحة الثالث عشر.
على مدار الأيام الثلاثة الماضية، استمتعنا واستفدنا بمناقشات وحوارات غنيّة حول عدد واسع من المواضيع ذات الشأن العالمي.
ولقد استمعنا إلى أفكار وتجارب رؤساء دول ورؤساء حكومات حاليين وسابقين، وقادة سياسيين وخبراء دوليين بارزين، من مختلف أنحاء العالم، وجميعهم ساهموا في ترك بصمتهم الخاصة على هذا المنتدى، الذي غدا حدثاً عالمياً فريداً.
لقد حددت كلمة صاحب السموّ أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني خمسة محاور أساسية لا بد أن نقف عندها وهي: مناداة الشعوب بالإصلاح الشامل، والمشاركة السياسية، والفقر، والبطالة، وانتهاك حقوق الإنسان. تلك كانت إضاءات يجب أخذها بعين الاعتبار.
نعلم جميعنا أنّ العالم أصبح اكثر ترابطاً، وأننا نواجه مشاكل لا تعرف حدوداً جغرافية أو وطنية، ولا حدوداً إقليمية. بل إنّ العديد من التحديات التي نواجهها هي تحديات عالمية بطبيعتها، وقد انعكس هذا البعد الرئيسي بوضوح في مداخلات المتحدثين ونقاشات المنتدى.
ولقد ألقى الشأن السوري بظلاله على هذا المنتدى، خاصة ببعده الإنساني. ولقد جدّد صاحب السمو، أمير البلاد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بوضوح، دعوته لتحرّك دولي لحلّ هذه الأزمة العميقة في قلب الشرق الأوسط؛ وهي الدعوة التي وجهها أيضا عدد بارز من المتحدثين، بدءاً من رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيلّون، ووصولاً إلى السفير ايشنغر من مؤتمر ميونيخ للأمن، والذي استحضر تجربته السابقة في البلقان ليذكّر بما قد تصل إليه الأحوال من سوء في حال استمرّ عدم الاستقرار في قلب بلاد الشام.
ومن بعد كلمة صاحب السموّ، برز الحضور الواسع للقارة الأفريقية هذا العام، خاصة في الجلسة الافتتاحية مع خطاب الرئيس السنغالي ماكي سال، ورئيس الوزراء التونسي علي لعريض، وهما ضيفي شرف المنتدى.
وقد أشار فخامة الرئيس سال إلى أبرز التغيرات التي طالت الاقتصاد العالمي، وسلّط الضوء على عدد من الفرص الاستثمارية جنوب الصحراء الأفريقية، حيث سجّل الاتحاد الأفريقي ميزانية تاريخية تقارب 68 مليار دولار أمريكي لمشاريع البنى التحتية. كما دعا فخامة الرئيس سال إلى تعزيز روابط التجارة والاستثمار بين أفريقيا والعالم العربي، وأشار إلى جانب من تحضيرات الاجتماع القادم لمجموعة الدول العشرين، حيث سيبحث زيادة حجم دعم القطاع الخاص لمشاريع البنى التحتية في أفريقيا.
ولا يخفى أيضاً بروز الشؤون المرتبطة بالربيع العربي، كمحور رئيسي في مختلف نقاشات وفعاليات المنتدى. وإنّنا فخورون باستضافة معالي رئيس الوزراء التونسي علي لعريض، الذي شاركنا في المنتدى بتجربته ورؤيته حول التقدّم في شؤون الدولة في تونس منذ 2011. وقد أكّد لعريض على أنّ تونس لا تزال تعيش مرحلة انتقالية، وأنّ الشعب التونسي يركّز حالياً على بناء دولة مدنية، ليست دينية ولا عسكرية، وعلى حماية وصون حقوق الإنسان.
كما بحث المنتدى القضايا الاقتصادية الرئيسية، وقد دعا معالي رئيس الوزراء البريطاني السابق، غوردون براون، بحميّة إلى تأسيس بنك تنموي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أشار العديد من المشاركين والمتحدّثين في المنتدى وفي جلسات مختلفة، إلى أن الأحداث التي تعرف بالربيع العربي، لها جذورها الاقتصادية إلى جانب جذورها السياسية. وشكّلت دعوة براون إلى مزيد من الاستثمار في الدول المتأثرة بالربيع العربي، دعوةً بنّاءةً لمعالجة اثنين من أكبر التحدّيات أمام تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهما ضعف النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب بطالة الشباب.
وبالنظر إلى التداعيات المستمرة للأزمة الاقتصادية العالمية، حذّر نائب الرئيس الأرجنتيني، أمادو بودو، من أنّ إجراءات التقشّف قد تؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد الوطني وترفع من مستويات الفقر، وهي ملاحظة تسترعي الاهتمام.
وقد تطرّقت العديد من جلسات المنتدى لهذا العام إلى مسألة ضعف النموّ الاقتصادي في العالم العربي، وبحثت ذلك بمزيد من العمق. فدعا المشاركون في الجلسة الثانية إلى إلغاء العوائق التجارية وإلى تحسين وضع حقوق الملكية الفكرية ضمن جهود التنمية في المنطقة. واعتبر بعض المشاركين أن العوائق التنظيمية الحالية تحول دون تفجير الطاقات والمواهب الإبداعية والشبابية في الشرق الأوسط، وبخاصة في مجال ريادة الأعمال، في حين رأى مشاركون آخرون أن تعزيز دور النساء سيكون له أيضاً دور رئيسي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية الإقليمية.
وعلى الصعيد العالمي، ناقش المنتدى تفاصيل التغيّرات التي يشهدها النظام العالمي وتعمّق في محاولة الإحاطة بالتعقيدات التي تتّسم بها الديناميكيات الجديدة المختلفة. وأشار المتحدّثون، بمن فيهم وزير الخارجية الفرنسي السابق، هوبير فيدرين، إلى التراجع النسبي في القوة الأمريكية، بالتزامن مع صعود قوى جديدة من خلال نفوذها السياسي و/أو الاقتصادي. إنّ هذا التجزئ في القوة وتوزّعها في مجالات الشؤون العالمية يمكن اعتباره فرصة كما أنّه تحدٍ، لجميع الدول. وبالنظر إلى دول الخليج تحديداً، فقد أشار السفير الأمريكي السابق ريتشارد لي بارون إلى أنّ العلاقات الأمريكية مع المنطقة تمرّ حالياً بمرحلة تحوّل، وأنّ دول المنطقة قد يترتّب عليها تعديل مقاربتها للتكيّف مع هذا التحوّل.
أمّا اليوم الثاني من المنتدى، فقد شهد مزيداً من التعمّق والبحث في التحدّيات التي تواجه الديمقراطيات الجديدة في العالم العربي. وقد عبّر المشاركون عن قلقهم حيال قدرة الثورات على الاستمرار حتى الآن، بالعودة إلى ضرورة التركيز قدر الإمكان على معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية بمقدار الشأن السياسي، كضرورة لتحقيق التنمية في أية دولة. ولم يفوّت المشاركون في هذا السياق التأكيد على مطلب الاستثمار الفاعل والنشط والواسع النطاق، إلى جانب العمل على مكافحة الفساد، في إحياء النقاشات ، التي لا تزال تحتفظ بأهميتها وأولويتها.
وإذ عبّر بعض المشاركون عن قلقهم بشأن الطبيعة الديمقراطية للحكومات الجديدة الصاعدة، فإنّ مشاركين آخرين حذّروا بالمقابل من تضخيم مسألة التخويف من الحركات الإسلامية. وكان د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، قد حذّر من خطر تحوّل النخب الجديدة الصاعدة إلى قوى متمسكة بالسلطة بدلاً من الارتقاء إلى مبادئ الديمقراطية الحقيقية، كما يعرفها الغرب؛ في حين نبّه مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني السابق، إلى أنّ معيار الحكم على هذه الحكومات، كما معيار الحكم على كافة الحكومات، يجب أن يكون من خلال ما تودعه من طاقات في شعوب دولها، مؤكداً أنه سيكون من الصعب على هذه الحكومات الجديدة أن تطبّق مقاربات وسياسات مشابهة للأنظمة السابقة التي أطاحت بها الثورات.
لقد شاركنا السفير نيتو من البرازيل أيضاً بتجربتهم في أمريكا اللاتينية بخصوص التنمية الديمقراطية، بنبرة مليئة بالتفاؤل والأمل. وقد دعا سعادة السفير إلى التحلّي بالصبر، مذكّراً أن الديمقراطيات الجديدة تحتاج بعض الوقت لبناء المؤسسات الضرورية، ولكن تجربة أمريكا اللاتينية أظهرت أن النجاح أمرٌ ممكن.
أمّا في الجلسة السابعة من المنتدى، والتي نظّمت بالتعاون من جامعة قطر، فقد وصف المتحدّثون التواصل الرقمي بأنّه قوة لا يمكن وقفها، وبحثوا تأثيرها على الحكومات وعلى وسائل الإعلام التقليدية. وقد اعتبر فيليب سيب، مدير مركز الدبلوماسية العامة ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، أن ثمّة "عقد اجتماعي" جديد تجري إعادة كتابته بين الحكومات وشعوبها، قوامه مزيد من المشاركة مع المسؤولين، وارتفاع توقّعات الأفراد بخصوص هذه المشاركة والتواصل الالكتروني.
وقد تطرّقت الجلسة أيضاً إلى قدرة الإعلام الرقمي على تحفيز الشعوب وجمعها، بالعودة مجدداً إلى مثال الربيع العربي، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار كيف يتمّ استخدام الإعلام الرقمي في التفريق بين الأشخاص في المنطقة وإثارة الفتن والحقد.
واستعرضت الجلسة الثامنة -والأخيرة في اليوم الثاني- تداعيات الأزمة المالية العالمية على حقوق الإنسان، وناقشتها. وفي حين أثنى المشاركون المتحدّثون على فوائد العولمة فإنّهم أشاروا أيضاً إلى بعض تأثيرها السلبي والذي كان شديداً على حقوق الإنسان في العديد من الأحيان. وقد تناولت هذه الجلسة قضايا الاتجار بالبشر والعمال المهاجرين، وطالب المتحدّثون يإيجاد مقاربة جديدة لضمان الاعتبارات الإنسانية في النظام الاقتصادي العالمي.
وإذ نصل الآن إلى الجلسة الأخيرة ضمن فعاليات المنتدى لهذا العام، فإننا سعداء أن مركز بروكنجز الدوحة، حيث نظّم للمرة الأولى في تاريخ المنتدى، جلسة كاملة. وبالنظر إلى النخبة المتميزة التي كانت حاضرة في الجلسة في مجال حقوق الإنسان، وبالاستناد إلى النقاشات الحيوية التي سمعناها هذا الصباح، فإني أرى أن موضوع هذه الجلسة هو التحدي الرئيسي لدول ما بعد الربيع العربي – بالأخص التي تعيش مرحلة انتقالية؛ فاعليه إدارة المرحلة الانتقالية ، وبناء مؤسسات جديدة، مع الحفاظ على الهوية؛ كان بحق اختتاماً لائقاً، لهذه الدورة من دورات منتدى الدوحة.
إنّني أود أن أتوجه لكم بالشكر جميعاً، فرداً فرداً، على مساهماتكم القيّمة ونقاشاتكم المثمرة.
وهذا هو ما يدفعنا لاستضافة وتنظيم مثل هذه الفعالية - ألا وهو توفير فرصة فريدة لبحث الاتّجاهات الراهنة في الشؤون الدولية والسياسات المستقبلية لمواجهة التحديات وسط نظام عالمي يتغيّر بشكل دراماتيكي.
ولا شكّ من أننا على مدا الأيام الثلاثة الماضية، قد حققنا ذلك بالتحديد.
ختاماً، اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر إلى جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس على مساهمتها الرائعة في هذا المنتدى وفعالياته، من خلال مؤتمر "إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط". اسمحوا لي الآن أن أقدّم لكم البروفيسور ستيفن سبيغل، الذي سيقدّم لنا بدوره كلمته وملاحظاته الختامية.
وكما في كل عام، سيقوم مُنتدى الدوحة بتقديم نظرة شاملة للقضايا الساخنة المتعلقة بالديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة في الشرق الأوسط، وفي الدول العربية والعالم. وعلى نطاق أوسع، سيناقش هذا المُنتدى الدولي مسائل مصيرية سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية وأمنية واستراتيجية وبشرية في منطقة تشهد بعضاً من أهم التغييرات في تاريخها المعاصر
ضيوف شرف هذا العام هم نخبة متميّزة من رؤساء الدول والحكومات الحاليين. كما يتضمّن المُنتدى لفيفاً من قادة الرأي العالمي البارزين والمفكرين السياسيين وصنّاع القرار وأعضاء البرلمان ورجال الأعمال والأكاديميين والإعلاميين والخبراء، فضلاً عن ممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية، الذين سيُساهمون في النقاش الحرّ العلمي والمثير حول العديد من المواضيع المدرجة على جدول أعمال المنتدى، مع التركيز على ما بعد الربيع العربي وتحدّيات المستقبل والأزمة المالية والاقتصادية العالمية، والتعاون الدولي، وبناء الديمقراطيّة، والاقتصاد العالمي والتنمية، وحقوق الإنسان، والإعلام الرقمي
ويعقد منتدى الدوحة في فندق الريتز كارلتون الدوحة في دولة قطر في الفترة من 20-22 مايو 2013م، يشارك فيه حوالي 600 شخصية يمثلون أكثر من 80 بلداً ومنظمة